الخميس، ٢٠ أغسطس ٢٠٠٩

التوجه الجنسي


ما هو التوجه الجنسي
احتدم الجدل بين خبراء الجنسانية الإنسانية حول مفهوم التوجه الجنسي والجدل القائم هو في الأساس بين فريقين كبيرين: فريق الجوهريين الذين يرون أن التوجه الجنسي أمر جوهري ككون الإنسان إنساناً، وكما لا يستطيع الإنسان أن يكون أي شيء آخر غير إنسان، لا يمكن تغيير التوجه الجنسي. الفريق الآخر هو فريق التركيبيين الذين يرون أن كلمة "التوجه الجنسي" هي تركيبة لغوية لوصف حالة ليست جوهرية ولكنها متحركة وديناميكية.
ربما يكون من الدقة في هذا الصدد أن نفرق بين من يصفون توجههم الجنسي أنه مثلي ومن يتعبرون الجنسية المثلية هويتهم ويعرِّفون أنفسهم اجتماعياً وثقافياً وربما سياسياً أيضاً أنهم مثليون ويستخدمون لفظ "جاي"
وربما يكون من الأكثر دقة أن نفرق بين ثلاث فئات من البشر فيما يتعلق بالميل الجنسي
1) من لديهم انجذاب مثلي
وهم من اختبروا من قبل انجذاباً نحو نفس الجنس وربما يختبرون ذلك بشكل متفرق ومن الممكن أن يوجد لديهم بعض الإنجذابات للجنس الآخر. (وجد لومان في دراسته أن 6.2% من الرجال و 4.4 % من النساء أبلغوا عن اختبارهم انجذاباً مثلياً ولو مرة واحدة في حياتهم)
2) من لديهم توجه مثلي
وهم الذين إنجذابهم المثلي متكرر وثابت ومستمر (وهؤلاء من يمكن أن نسميهم أصحاب التوجه المثلي) ونسبتهم في دراسة لومان 2% من الرجال و0.9 % من النساء. (لاحظ الانخفاض الشديد للنسبة من الإنجذاب للتوجه)
3) من يعتبرون أنفسهم مثليو الهوية ويعتبرون أنفسهم "مثليين Gay ووجد لومان أن نسبتهم بين الرجال 2.8% وبين النساء 1.4% (وهذا فرق طفيف بين نسبة أصحاب التوجه إلى أصحاب الهوية، وأظن أن الفرق في الشرق سوف يكون أكبر. في الغرب، أغلب من لديهم توجه مثلي ثابت يتبنون الهوية المثلية، بينما أزعم من خلال خبرتي الإكلينيكة بين العرب، أن كثيراً من ذوي التوجه المثلي الثابت لا يقبلون أن يتبنوا الهوية المثلية)

تاريخ التشخيص الطبنفسي
في النسخة الأولى من الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية االذي صدر سنة 1952 كان التوجه المثلي يعتبر في حد ذاته اضطراباً وكان يعتبر دليل على اضطراب الشخصية سواء كان من لديه هذا التوجه يشعر بالقلق والصراع أو لا يشعر. ثم في الستينات بدأت الجنسية المثلية في المجتمع تتحرك بعيداً عن كونها اضطراباً نفسياً، وهذا انعكس على الدليل التشخيصي فعندما ظهرت النسبة الثانية سنة 1968 اعتُبِرَت الجنسية المثلية اضطراباً منفصلاً وليس أحد الاضطرابات (أو الانحرافات) الجنسية وصُنِّف تحت طائفة "العُصاب" وهي طائفة تتميز بالقلق. ووصفت الحالة بأنها: "حالة الأشخاص الذين توجههم الجنسي أساساً نحو نفس الجنس وأنهم يشعرون بالقلق والصراع وأنهم يودّون تغيير هذا التوجه. "
وبالتالي من ميولهم الجنسية مثلية ولا يشعرون بالقلق أو الصراع لا يصنفون تماماً تحت أي فئة من فئات الدليل التشخيصي.
وفي سنة 1973 صوّتت الجمعية الأمريكية للطب النفسي لإزالة الجنسية المثلية كاضطراب من الدليل الأمريكي لتشخيص وإحصاء الأمراض النفسية ولم يكن هذا تحرك كبير عن الحال في 1968. ثم في النسخة الثالثة التي صدرت سنة 1980 تم إزالة مصطلح "اضطراب في التوجه الجنسي" ووضع تعبير "الجنسية المثلية غير المتوافقة مع الذات" وتشير إلى المثليين غير المتصالحين مع ميولهم المثلية
و في النسخة الثالثة الُمراجَعة التي صدرت سنة 1987 أزيل أي ذكر للجنسية المثلية من الدليل تماماً. وفي النسخة الرابعة التي صدرت سنة 1994 حدث تغيير طفيف في الكلام عن علاج التوجه الجنسي وأخيراً في النسخة المراجعة التي صدرت سنة 2000 تم وضع فئة بعنوان "اضطراب جنسي غير محدد " وهو يشير إلى الأشخاص الذي يعانون من ضغط نفسي شديد ومستمر بسبب توجههم الجنسي.

نلاحظ التغيير من 1952 إلى 2000 ففي الخمسينات كان من لديه توجهاً مثلياً يعاني من اضطراب حتى ولو كان متوافقاً مع توجهه المثلي وسعيد به. والآن أصبح من يصارع مع توجهه المثلي هو المضطرب. وهذا يعكس التغيير الذي طرأ على المجتمع الغربي فيقول جريجوري هرتد : "أن الجنس عندما انفصل عن الأسرة وعن الإنجاب وعن الأبوة والأمومة، أصبح المناخ الاجتماعي والثقافي مهيئاً لنمو ما يسمى بالهوية المثلية وقبول المجتمع لها. " وهذا ما يمكن أن نطلق عليه اختصاراً ـــ الثورة الجنسية!


"تغيير" التوجّه الجنسي
كما رأينا أصبح المشهد العلمي تدريجياً مضاداً تماماً لفكر تغيير التوجه الجنسي حتى ولو كان هذا هو طلب العميل أو هدفه الأساسي وذلك لاعتبار الغالبية العظمى من المعالجين (في الغرب وعدد متزايد الآن في الشرق) أن رغبة العميل في تغيير توجهه الجنسي ليست رغبة أصيلة فيه وإنما هي اختزانه لرفض المجتمع لتوجهه المثلي مما أدى إلى رفضه هو لتوجهه الجنسي و ربما لنفسه بصورة عامة. وبالتالي فإنه على المعالج (في رأيهم) أن يحرره من هذا الرفض ويساعده على قبول توجهه الجنسي المثلي. هذا الاتجاه بين المعالجين بالطبع نابع من إيمانهم بأن التوجه الجنسي أمر جوهري (مثل لون البشرة) وبالتالي فإنه إذا جاء عميل لمعالج يشكو من لون بشرته بالطبع فإن دور المعالج هو أن يساعده أن يقبل لون بشرته لا أن يغيره.




الموقف الديني
بالنسبة للعلاقة بين الرغبة في تغيير التوجه المثلي من المثلية إلى الغيرية والقناعة الدينية فهي علاقة معقدة. وهي في رأيي تتأثر بالموقف الديني للعميل. هل هو موقف سطحي أم عميق؟ هل موقفه الديني مجرد رغبة في إرضاء إله قوي باطش يكره المثلية والمثليين ويعاقبهم بأن يضعهم في النار إلى الأبد؟ في هذه الحالة فإن رغبته في تغيير الهوية هي بالفعل ملوثة إلى حد كبير باختزانه لرفض المجتمع ، وبالذات المجتمع الديني. أما إذا كان موقفه الديني هو جزء من رؤيته للعالم باعتبار أن هذا العالم مخلوق وأن هناك خالق محب مشيئته هي خير الخليقة ، وأن أسلوب الحياة المثلي ليس هو الأسلوب الأمثل للحياة في وجهة نظر هذا الخالق، في هذه الحالة سوف يكون منفتحاً ذهنياً لأن يعرف ما إذا كان هذا الأسلوب للحياة بالفعل مفيداً أم مضراً، وإذا أقتنع (متأثراً بالطبع برؤيته الدينية) أنه ليس أسلوباً مفيداً، عندئذ ستكون دافعيته للتغيير دافعية حقيقية نابعة من هويته وتوجهه الفكري والروحي.
ربما يحتج أحدهم قائلاً أن تفسيره ليس بالضرورة موضوعياً فهو كما قلت لتوك متأثر بوجهة نظره الدينية وإجابتي على ذلك هي: "نعم.. بالطبع" والحقيقة أنه لا توجد "موضوعية" مطلقة فرؤية الإنسان للحياة دائماً تكون متأثرة باستقباله الذاتي للأشياء، فالجوهريون مثلهم مثل التركيبيون تتأثر قراءتهم للحقائق المجردة (كالنتائج الرقمية للأبحاث) بتوجههم الفكري، أو إذا شئت، الديني. والمثال على ذلك واضح تمام الوضوح. هناك أكثر من 500 بحث نفسي يدلل على أن كل أشكال المرض النفسي أعلى بنسب دالة إحصائياً بين المثليين بالمقارنة بالغيريين. وأن نسبة انتشار فيروس نقص المناعة بين المثليين تفوق الغيريين بنسب كبيرة وهي الفئة الوحيدة في الغرب التي يتزايد بينها معدل انتشار الفيروس بالمقارنة بالفئات الأخرى الأكثر عرضة.
هذه حقائق مجردة لا يمكن إنكارها لكن "تفسيرها" يتحكم فيه التوجه الفكري ورؤية العالم لمن يقوم بالتفسير. فالجوهريون، الذين غالباً ما يتبنون رؤية علمانية للعالم، لا مكان فيها لما هو روحي أو فائق للطبيعة، يفسرون هذه الأرقام أنها ناتجة لاضطهاد المجتمع للمثليين، ومتى حدث القبول التام للمثليين سوف تتغير هذه الأرقام. هذا التفسير بالطبع ناتج من كونهم جوهريون. أي يؤمنون أن التوجه الجنسي لا يمكن تغييره، فما يجب أن يتغير في وجهة نظرهم هو المجتمع وذلك حتى تتغير هذه الأرقام وتصبح الحياة المثلية أقل خطورة. هذا الموقف مثلاً يشبه حركة الدفاع عن حقوق السود مثلاً. فحيث أنه لا يمكن تغيير لون جلدهم فعلى المجتمع أن يتغير ليقبلهم، وهذا ما حدث ويحدث لأن الموقف الجوهري هنا صحيح لا يمكن لأحد أن يعارضه.

أما التركيبيون، الذين غالباً ما يتبنون رؤية للعالم تفسح مكاناً لفكرة العالم الروحي والإله الخالق( الذي يفهم خليقته) و المحب المتدخل (المُغَيِّر) فيفسرون هذه الأرقام أنها ناتجة ليس فقط من رفض المجتمع وإنما أيضاً من طبيعة الحياة المثلية نفسها. وبالتالي يحترمون رغبة من يريد تغيير التوجه المثلي، بينما لا يحترمها من يتبنون الفكري الجوهري.

الموقف الحقوقي
الموقف الحقوقي السليم هو احترام رغبة وحرية الإنسان مهما اختلف أو اتفق معه إنسان آخر. للأسف عبر قرون عديدة لم يسمح المتدينون للمثليين بأي حقوق حتى حق الوجود أحياناً. هذا الموقف خلق حالة من "رد الفعل" جعلت كل من يؤمن بحقوق الإنسان وبالتعايش السلمي بين البشر المختلفين يتبنى أي وجهة نظر من شأنها إعطاء المثليين حقوقهم دون الالتفات كثيراً إلى الخلفية العلمية. ومع زاد الأمر حدّة للدرجة التي بدأ الكثيرون فيها يمارسون "اضطهاداً عكسياً" للمثليين غير الراغبين في مواصلة الحياة المثلية والمؤمنين بفكرة أن تغيير التوجه الجنسي ممكن وكذا اضطهاد والهجوم على المعالجين الذين يؤمنون بالفكر التركيبي واتهامهم بالاستغلال والتربح إن لم يكن بالهوموفوبيا وكراهية المثليين والمعاداة لحقوق الإنسان وهي التهم التي توازي، في هذا المعسكر، تُهَم الفسق والفجور ومعاداة الطبيعة الإنسانية التي يَتَّهِم بها المعسكر الآخر من المتدينين المثليين "الشواذ" وكل من يقبلهم ويحترمهم أو حتى يتكلم عنهم ويمنحهم حق "الوجود". ولله الحمد حصلت على نصيب وافر من كلا النوعين من التُهم ، وإلى اللقاء في مقالة قادمة.
أوسم وصفي

هناك ٣ تعليقات:

حلم عميق يقول...

عزيزي د/ اوسم

كما عودتنا سابقا ً علي طرح المواضيع ذات القيمة والاهمية . اشكرك كثيرا ولكن لي نقطة هامة اود المشاركة بها :

اولا انا مع التوجه الجنسي جدا جدا واري انه حق من حقوق الفرد وهو الاختيار .. بل واختيار الحافز والدافع لدية لهذا التوجه .. ديني او اجتماعي

لكن اسمح لي في الموقف الحقوقي لدي المثليين ان اضيف نقطه ايضا

فأنا لا اري للمثلي قيمة في نظري اللا من رغب هو بالتوجه الجنسي او التغيير وحينما يبدأ في تنفيذ خطوات التغيير اجده له الحق في :
ان يلقي القبول المناسب .. اجتماعي او ديني

وذلك علي انه ــ اكررها ثانية ــ قد استسلم لضعفه امام ذلك التوجه واراد التغيير

اما من اراد ان يتخذ للمثلية دربا وطريقا وهدفا ً وحياة
فلا اجد له حق عندي سوي النصيحة في بادي الأمر ثم التجاهل والدعاء له

وانا لست مع إلغاء القانون المعاقب لهم كما يطلب البعض منهم بأنه ظلم او كبت لحرية الفكر والتصرف

بل اذا كنت انا اعاني من تلك الميول وارغب في التوجه الجنسي السوي واطمح الي التغيير

فلما اخاف من قانون زادت عدد سنين السجن به او نقصت اذا كنت لا انوي ان اعيش تلك الحياة ولا انوي ان اشرك اي احد بها

فانا اعتقد ان الفرد نفسه هو من يصنع حقوقه بمجرد اتخاذ قراره لنفسه او عليها

Dr. Awsam Wasfy يقول...

ّّI am sorry I had to write in English.I'm in the states now and the computer I'm using is a MAC.I can't easily find the Arabic letters.

I don't agree with you on what you said that the homosexual has no value except if he/she wants to change. A human being has value whatever he chooses.

I am with the right of everyone to chose what he or she wants and the freedom to express whatever he or she wants

غير معرف يقول...

دكتور اوسم

أعتقد أن مايكتب هنا شيء عظيم وبلا شك يساعد على فهم معنى المثلية ولكن في هذة الرسالة بالذات كنت ابحث عن مرادف لحالة تتعلق بالمثلية ولا اعرف ماهو تفسيرها..

وهي الميل نحو الجنسين (بكل الأوضاع)وبمعنى أوضح قابلية ممارسة الجنس بجميع توجهاته تقريبا مثلية كانت ام غيرية في ميول الرجل ,ولا أعرف علاقة أو نوع التوجة الجنسي لهذة الحالة.
هل هي ازدواجية ام اضطراب ؟
لا أعرف
انا لا ابحث عن علاج ولا اريد الإطالة في الشرح ولكن اريد تفسير أو تعريف لهذة الحالة لأنني في الحقيقة لم افكر ولا اريد الذهاب لطبيب نفسي ولا اعتقد انني احتاج للعلاج عدا عن انني لا أؤءمن بالعلاج النفسي ولكني احترم الطب النفسي كعلم واقراء للأطباء في كتاباتهم عن تشخيص الحالات النفسية فقط واعتبر العلاج مسألة تتعلق بالشخص نفسة.
اعذرني على الإطالة يادكتور اوسم ولكن أنت أول شخص أتواصل معه بهذا الخصوص لأنني ذهلت واعجبت جدا بما تكتبة وأرجو أن تكون قادرا على التواصل مع تعليقي والإجابة عن سؤالي ولك ابلغ تحياتي.

 
google-site-verification: google582808c9311acaa3.html